شباب المستقبل
مرحبا بكم في منتداكم (شباب المستقبل)
...كل ماتريد ....باذن الله موجود
شباب المستقبل
مرحبا بكم في منتداكم (شباب المستقبل)
...كل ماتريد ....باذن الله موجود
شباب المستقبل
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

شباب المستقبل

شباب مؤمن وطن اقوي
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول





 

 امام في محنة

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابن الاسلام
good member
good member
ابن الاسلام


عدد المساهمات : 49
نقاط التفاعل : 161
نقاط التقييم : 1
تاريخ التسجيل : 02/12/2010

امام في محنة Empty
مُساهمةموضوع: امام في محنة   امام في محنة I_icon_minitimeالأحد يناير 09, 2011 10:32 am







امام في محنة Clip_image001إمام في محنة





قصة حقيقية من واقع الدعوة





إنها
محنة حقيقية، وقعت في القرن الثالث الهجري، لإمام رباني قال فيه ابن
حبان"أغاث الله به أمة محمد r وذلك أنه ثبت في
المحنة، وبذل نفسه لله، فعصمه الله تعالى، وجعله علماً يقتدي به، وملجأ يلجأ
إليه"


إنها
ليست محنة إمام فحسب لاقى من التعذيب والحبس ما لاقى، وإنما هي محنة الفكر الذي لا
يجد من يناظره من أدْعياء حرية الفكر والعقل، فيحاربونه بالحبس والقهر تارة، وبالتشكيك
والاتهامات تارة أخرى.


ومحنة
إمامنا تولى كبرها من يزعمون أنهم أصحاب العقل الرشيد والفكر السديد. تساندهم سلطة
الحكم بقوتها وعدادها، إننا أمام محنة فكرية تتعلق بالقرآن ودعوى أنه مخلوق وقد
عجز أصحابها على حمل الناس عليها بقوة البيان فلم يجدوا سبيلا إلا أن يحملوهم بقوة
السلطان وعنف الامتحان، وإنزال البلاء والسجن والتقييد، ووضع الأغلال.


مما
جعل العلماء المعنيون بالقضية في مأزق هل يَصْدعون بالحق ويصبرون أخذا بالعزيمة
كما فعل بلال رضى الله عنه أم يترخصون لشدة الفتنة وجور السلطان، ويأخذون سبيل
عمار رضى الله عنه والذي نزل فيه قوله تعالى (إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان)


والرخصة
وإن جاز الأخذ بها عند الشدائد إلا أنه لابد من رجال يأخذون بالعزيمة فيقيمون
الحجة على الباطل كما يقول إمامنا "إذا سكت العالم تقية، والجاهل يجهل فمن
يظهر الحق".


ومحنتنا هذه وقف لها اثنا عشر رجلاً فقط سجلهم
لنا التاريخ شامة في جبينه وقامت بهم الحجة وهم:


إمامنا:
وسنتعرض لمحنته بالتفصيل.



واحمد
بن نصر الخز اعي: الذي أنكر"أن القرآن مخلوق" فقتله الخليفة الواثق
وقال"إني احتسب خُطايَ إلى هذا الكافر الذي يعبد ربا لا نعبده، ولا نعرفه
بالصفة التي وصفه بها، ثم مشى إليه فضرب عنقه، وأمر به فحمل رأسه إلى بغداد فنصب
بالجانب الشرقي، والبدن مصلوبا بسامراء ست سنين إلى أن أنزل وجمع في سنة (237هـ)
فدفن في عهد المتوكل[1].


قلت:رحمك الله يا شهيد، وجمعك الله مع سلفك
الصالح خبيب وعبد الله بن الزبير.


محمد
بن نوح: مات في قيده، وصلى عليه إمامنا وسيأتي ذكره في المحنة.


نعيم
بن حماد: توفى سنة 229هـ،وهو شيخ البخاري وصاحب كتاب الفتن.وكان مقيدا محبوساً
لامتناعه من القول بخلق القرآن فجر بأقياده، فألقى في حفرة، ولم يكفن ولم يصل عليه
فعل به ذلك صاحب ابن أبى داود - يعنى المعتصم- " [2]


عفان
بن مسلم: وهو أول من امتحن، ولما دعى للمحنة امتنع أن يجيب، فهددوه بحبس عطائه (أي
راتبه) وكان يُعطى كل شهر ألف درهم وكان جوابه على التهديد أن تلا عليهم قوله
تعالى "وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ (الذريات:22)


قلت: وهو هو أسلوبهم اليوم فمن يكون مثل عفان
اليوم.


أبو
نعيم الفضل بن دكين:وهو شيخ البخاري أيضا، لما أدخل على الوالي ليمتحنه قال: أدركت
الكوفة وبها أكثر من (700) شيخ، الأعمش فمن دونه يقولون القرآن كلام الله وعنقي عندي
أهون من زري هذا فقام أحمد بن يونس فقبل رأسه وكان بينهما شحناء وقال: جزاك من شيخ
خيرا. قلت: إنها النفس الأبية التي تقول: عنقي أهون من زري هذا.


يوسف
البويطي: حُمِلَ من مصر أيام المحنة إلى العراق وحُبس ببغداد وقيد، فتوفى في السجن
والقيد سنة (232هـ)، وقال ا لربيع بن سليمان: رأيت البويطي على بغل في عنقه سلسلة
حديد وقيد، وبين الغل والقيد سلسلة حديدية فيها طوبة وزنها أربعون رطلا وهو
يقول"إنما خلق الله الخلق بكن فإذا كانت كن مخلوقة فكأنما مخلوقا خلق مخلوقا
والله لأموتن في حديدي هذا حتى يأتي من بعدى قوم يعلمون أنه قد مات في هذا الشأن
قوم في حديدهم وإن دخلت عليه لاصدقتنه يعنى الواثق".


وأما الباقون الذين لم يجيبوا فهم: إسماعيل
بن أويس، وأبو مصعب المدني، ويحيى الحماني، وعبد الأعلى بن مسهر الغسانى.[3]





ما المراد "بخلق القرآن"


يقول
محمد أبو زهرة " القرآن بمعنى تلاوته محدثة لا قديمة، فمن قال أن القرآن
مخلوق أي محدث، بمعنى قراءته فكلامه سليم لاشك فيه، وذلك لأن القراءة وصف للقارئ،
لا وصف لله سبحانه، وإطلاق القرآن بمعنى القراءة جاء في القران كقوله
"وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً"(الاسراء:
من الآية78) أي قراءة الفجر وهذا أمر بديهي لا يحتاج إلى نظر دقيق وبحث عميق ومع
هذه البداهة يحكى ابن قتيبة أن ناساً قالوا إن القراءة للقرآن قديمة ويوجه قولهم
في توجيهه "إن من قال القراءة غير مخلوقة فقد قال إن أعمال العباد غير
مخلوقة" وكيف يقول قائل إن أفعال العباد غير مخلوقة ؟ والعباد أنفسهم مخلوقون
وهذا كلام غير جدير بالنظر والحكاية.


وإذا
كان هذا شأن الخلاف في قراءة القران فكيف يكون الشأن في القرآن نفسه والقرآن
الكريم ينظر إليه نظرين أحدهما: النظر إلى مصدره: وهو إن الله سبحانه متصف بالكلام
وصفة الكلام قديمه بقدم الذات العلية لأن الله لا يتصف بما تتصف به الحوادث.


والنظر
الثاني: هو النظر إلى حروفه، وتلك الكلمات المكون منها....[4]


وهذه
المسألة قد قتلت بحثا في كتب العقيدة ما ذكرناها إلا لأنها أصل محنة إمامنا ولنبدأ
في تفاصيل المحنة.





بداية المحنة:


إن
المتأمل في تاريخ المعتزلة يجد أنهم قد ظهروا في أوائل القرن الثاني الهجري وقاموا
بنشر مبادئهم وعقائدهم، ولما قوبلوا من الدولة ومن الناس بالمقاومة والصد وجهوا
جهودهم أن يستعينوا بالسلطة الحاكمة، وأن يستميلوا من بيده الأمر وهو أسلوب مطرد
لأصحاب الأهواء لا تنتشر أفكارهم إلا بقوة السلطان... وخنع المعتزلة مدة في
محاولات استمالة خلفاء الدولة العباسية في عهدها الأول ولكنهم لم يجدوا الاستجابة
من المهدى والهادي، والرشيد والأمين.. حتى أن هارون الرشيد توعد بشر المريسي
بالقتل حين بلغه عنه أنه يقول بخلق القرآن، وظل بشر مختفيا حتى مات الرشيد. وما أن
وصل المأمون إلى الخلافة وكان ميالا ً بطبعه إلى العلم شغوفا به فاقتنع بمقولة
المعتزلة.. وبذلك انتهى دور الضعف والتخفي للمعتزلة معتمدين بذلك على إيمان
المأمون بدعوتهم.. وقربهم المأمون وأصبحوا خاصة جلسائه، واستوزر أحمد بن أبى داود
المعتزلي، وجعله كاتبه، وصاحب السلطان في دولته وكانت له منزلة في نفسه، حتى أنه
أوصى أخاه من بعده أن يجعله في منصبه.





الإرهاب
الفكري:



بدا
المأمون القول بخلق القرآن عام 212هـ، ولكنه لم يشأ حمل الأمة عليه وفى عام
(218هـ) غير هذه المشيئة ورأى وهو في (طرسوس) من أرض الروم، أن يلزم الناس بهذا
القول فأرسل عدة رسائل إلى قائده إسحاق بن إبراهيم في بغداد ومما جاء في الرسالة
الأولى:أما بعد فإن حق الله على أئمة المسلمين وخلفائهم الاجتهاد في إقامة دين
الله الذي استحفظهم، ومواريث النبوة التي أورثهم، وأثر العلم الذي استودعهم والعمل
بالحق في رعيتهم"
[5]
إلى قوله"وقد عرف أمير المؤمنين أن الجمهور الأعظم، والسواد الأكبر من حشو
الرعية وسفلة العامة ممن لا نظر لهم ولا رويّة واستدلال بدلالة الله وهدايته.. أهل
بالله وجهالة وعمى عنه، وضلاله عن حقيقة دينه وتوحيده لضعف أراءهم ونقص عقولهم[6]....
وذلك أنهم ساووا بين الله وبين ما أنزل من القرآن فأطبقوا مجتمعين على أنه قديم
أولم يخلقه الله ويحدثه وقد قال الله في محكم كتابه "إِنَّا جَعَلْنَاهُ
قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ"(الزخرف:3)


فكل ما جعله الله فقد خلقه.. ثم هم جادلوا
بالباطل فدعوا إلى قولهم ونسبوا أنفسهم إلى السنة ثم أظهروا مع ذلك أنهم أهل الحق
والدين والجماعة وأن ما سواهم أهل الباطل فاستطالوا بذلك عل الناس وغرّوا بالجهال.[7]
حتى مال أهل السمت الكاذب والتخشع لغير الله إلى موافقتهم على سيئ آرائهم تزينا
بذلك عندهم وتصنعا للرئاسة... فتركوا الحق إلى باطلهم، واتخذوا دون الله وليجة إلى
ضلالتهم[8]....
ثم قال"فرأى أمير المؤمنين أن أولئك شر الأمة ورؤوس الضلالة وأوعية الجهالة[9]
فاجمع من بحضرتك من القضاة وأقرأ عليهم كتاب أمير المؤمنين فابدأ بامتحانهم [10]فيما يقولون وتكشيفهم عما يعتقدون في خلق
الله القرآن وإحداثه، وأعلمهم أن أمير المؤمنين غير مستعين في عمله [11]،
ولا واثق فيما قلده الله من أمور رعيته بمن لا يوثق بدين
[12]
فإن أقروا بذلك ووافقوا أمير المؤمنين فمرهم بترك إثبات شهادة من لم يقر أنه مخلوق
محدث والامتناع عن توقيعها عنده[13].


ثم
توالت الرسائل [14]
في امتحان العلماء وخاصة المحدِّثين فأحضرهم إسحاق بن إبراهيم والى بغداد وامتحنهم
فقالوا: القرآن كلام الله، والله خالق كل شئ، وما دون الله مخلوق... فأرسل المأمون
رسائله من أرض الجهاد وتعرض للعلماء بأسمائهم ثم قال:"ومن لم يرجع عن شِرْكه
ولم يقل أن القرآن مخلوق فاحملهم إلى عسكر أمير المؤمنين مع من يقوم بحفظهم
وحراستهم لينصَّهم أمير المؤمنين فإن لم يرجعوا ويتوبوا حملهم جميعاً على السيف.


وصل هذه الكتاب إلى
إسحاق فدعا العلماء وأعاد عليهم السؤال مع تهديد أمير المؤمنين فأجابوه كلهم بأن
القرآن مخلوق إلا أربعة نفر: إمامنا، وسجادة، والقواريرى، ومحمد بن نوح[15].


فأمر
بهم إسحاق فشدوا في الحديد فلما كان من الغد فأعاد عليهم وهم مقيدون، فأجابه سجادة
فأطلق سراحه، ثم أعاد بعد الغد فأجابه القواريرى فأطلق سراحه وأصر إمامنا ومحمد بن
نوح على قولهما فشدا جميعا في الحديد وأُرسلا إلى طرسوس.





بداية رحلة المحنة


*يقول
ابن إمامنا (صالح ):حُمِلَ أبى و محمد بن نوح مقيدين فصرنا معهما إلى الأنبار،
فسأل أبو بكر الخلال أبى: يا أبا عبد الله إن عُرضت على السيف تجيب؟ قال: لا،ثم
سُيرا. قال فسمعت أبى يقول: لما صرنا إلى الرحبة ورحلنا منها – وذلك في جوف الليل-
عرض لنا رجل فقال: أيكم أبو عبد الله، فقيل له هذا فقال للجمال: على رسلك ثم قال:
يا هذا ما عليك أن تقتل هاهنا وتدخل الجنة ثم قال: أستودعك الله ومضى. قال أبي
فسألت عنه فقيل لي: هذا رجل من العرب من ربيعة، وفى رواية قال إمامنا: ما سمعت
كلمة منذ وقعت في هذا لأمر الذي وقعت فيه أقوى من كلمة الأعرابي: يا أبا عبد الله
إن يقتلك الحق مت شهيدا وإن عِشْتَ عِشْتَ حميداً قال فقوى قلبي. قال أبو حاتم
الرازى: فكان كما قال لقد رفع الله عز وجل شأن إمامنا بعد ما امتحن وعظم عند الناس
وارتفع أمره جدا.[16]


*قال
أبو جعفر الأنبارى لما حمل الإمام إلى المأمون أخبرت، فعبرت الفرات، فإذا هو جالس
في الخان فسلمت عليه فقال: يا أبا جعفر تعنيتَ ؟ فقلت: ليس هذا عناء، وقلت له: يا
هذا أنت اليوم رأس والناس يقتدون بك فوالله لأن أجبت إلى خلق القرآن ليجيبن بإجابتك
خلق من خلق الله، وأن أنت لم تجب ليمتنعن خلق من الناس كثير ومع هذا فإن الرجل إن
لم يقتلك فأنت تموت ولابد من الموت فاتق الله ولا تجبهم إلى شئ فجعل احمد يبكى
ويقول: ما شاء الله، ما شاء الله[17]


*وقال
ابن إمامنا (صالح):قال ابى: لما صرنا إلى إذنة ورحلنا منها – وذلك في جوف الليل –
وفتح لنا بابها فإذا رجل قد دخل وقال: البشرى، قد مات الرجل – يعنى المأمون- قال
أبى: وكنت أدعو الله أن لا أراه[18].


*قال
إسحاق: قال إمامنا: ما رأيت أحداً على حداثة سنة، وقلة علمه أقوم بأمر الله من
محمد بن نوح وإني لأرجوان يكون الله قد ختم له بخير. قال لي ذات يوم وأن معه خلوين
يا أبا عبد الله إنك لست مثلى أنت رجل يقتدي بك وقد مد الخلق أعناقهم إليك لما
يكون منك فاتق الله واثبت لأمر الله، أو نحو هذه الكلام، فعجبت من تقويته لي
وموعظته إياي فانظر بما ختم له، مرض وصار إلى بعض الطريق فمات فصليت عليه ودفنته –
وأنه بعانة- وكان وفاته سنة (218هـ)[19]





الإمام في السحن


ثم
أُعيد إمامنا إلى السجن في الرِّقة بمفرده مقيدا بعد موت صاحبه محمد بن نوح أثناء
عودتهما إلى بغداد وبقى إمامنا حتى ينظر الخليفة الجديد (المعتصم) في أمره.


ومن
الأحداث في سجنه:


عن
أبى العباس وكان من حفاظ أهل الحديث أنهم دخلوا على الإمام بالرقة وهو محبوس
فجعلوا يذاكرونه ما يروى في التقية من الأحاديث فقال الإمام وكيف تصنعون بحديث
خباب "إن من كان قبلكم كان بنشر أحدهم بالمنشار ثم لا يصده ذلك عن دينه"
قال: فيئسنا منه. قال إمامنا: لست أبالي بالحبس ما هو ومنزلي إلا واحد، ولا قتلا
بالسيف إنما أخاف فتنة السوط، وأخاف أن لاأصبر، فسمعه بعض أهل الحبس وهو يقول ذلك
فقال: لا عليك يا أبا عبد الله فما هو إلا سوطان ثم لا تدرى أين يقع الباقي، فكأنه
سرى عنه ورد من الرقة وحبس"[20]


وعن
ابن إمامنا وصالح قال: لما جاء نعى المأمون ردا أبى ومحمد بن نوح في أقيادهما إلى
الرقة، وأخرجا في سفينة مع قوم محبسين، فلما صارا بعانات توفى محمد بن نوح ودفن بها
ثم صار أبي إلي بغداد وهو مقيد فمكث بالياسرية أياما ثم صار إلى الحبس في دار
اكتُرِيَت له عند دار عمارة ثم نقل بعد ذلك إلى حبس العامة في درب يعرف
بالموصلية"[21]
وفى رواية "وكنت أصلى بأهل السجن وأن مقيد".


وفى
سجنه هذا جاءته رسالة من إمام الحديث آدم بن إياس (132- 220هـ) عن أبى بكر الأعين
قال: قلت لآدم العسقلانى: أنى أريد أن أخرج إلى بغداد أفلك حاجة؟ قال: نعم إذا
أتيت بغداد فائت الإمام فأقرأه مني السلام وقل له يا هذا اتق الله وتقرب إليه بما
أنت فيه ولا يستفزنك أحد فانك إن شاء الله مشرف على الجنة، وقل له: حدثنا الليث بن
سعد عن محمد بن عجلان عن أبى الزناد عن الأعرج عن أبى هريرة قال: قال رسول الله r
"من أرادكم على معصية الله فلا تطيعوه" فأتيت الأمام في السجن فدخلت
عليه فسلمت عليه وأقرأته السلام وقلت له هذا الكلام والحديث، فأطرق الإمام إطراقة
ثم رفع رأسه فقال: رحمه الله حيا وميتا، فلقد أحسن النصيحة"[22]


المحنة تشتد مع المعتصم:


لما
اشتد بالمأمون الألم عهد لأخيه المعتصم بالخلافة، وأوصاه بوصية طويلة ذكرها الطبرى
في تاريخه كاملة[23]
وفيها الوصية بأن يأخذ بسيرة أخيه في القرآن ولم يكن المعتصم رجل علم بل كان رجل
سيف فترك أمر خلق القرآن للمعتزلى أحمد بن أبى دواد، ليدير الأمر فيه لينفذ وصية
أخيه وكانت وفاة المأمون في 12 رجب 218هـ.وعاد المعتصم من أرض الروم إلى بغداد
فوصلها في مستهل رمضان سنة 218هـ والإمام مكبل بالقيود مع المجرمين دون أن يخطر
ببال الخليفة الجديد لأنه كان مشغولا بفتن داخل الخلافة حتى انقضت على ذلك سنتان
فتذكر بعدها الإمام في العشر الأخيرة من رمضان سنة 220هـ لتبدأ محنة شديدة مع
الإمام.





التحقيق والمناظرة والتعذيب:


يقول
ابن الإمام (صالح): قال أبى: لما كان في شهر رمضان لليلة 17 منه، حُولت من السجن
إلى دار إسحاق بن إبراهيم، وأنا مقيد بقيد واحد يوجه إليّ في كل يوم رجلان هما:
أحمد بن رباح، وأبو شعيب الحجام، يكلمانى ويناظرانى فإذا أرادا الانصراف دعوا بقيد
فقُيدت به فمكثت على هذا الحال ثلاثة أيام فصار في رجلي أربعة أقياد.


فقال
أبى: فلما كانت الليلة الرابعة بعد العشاء الآخرة وجه المعتصم نبأ إلى إسحاق يأمره
بحملي فأدخلت على إسحاق فقال لي: يا فلان، إنها والله نفسك، إنه حلف أن لا يقتلك
بالسيف وأن يضربك ضربا بعد ضرب وأن يلقيك في موضع لا ترى فيه الشمس.... أليس قد
قال الله "إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ"
(الزخرف:3)


فيكون مجعولا وما من مجعول إلا مخلوق، قال أبى:
فقلت له قال"فجعلهم كعصف مأكول" أفخلقهم؟ وقال" أذهبوا به.. قال
أبى: فأنزلت إلى شاطئ دجلة ومعي بغا الكبير ورسول من إسحاق فقال بغا للرجل: ما
تريدون من هذا الرجل ؟ قال: يريدون منه أن يقول "القرآن مخلوق فقال: ما أعرف
شيئا من هذه الأقوال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وقرابة أمير
المؤمنين من رسول الله r.


قال
أبى ثم انتهى بى إلى الدار فأُدخلت ثم عُرج بي إلى الحجرة فصرت في بيت منها وأُغلق
عليّ الباب وأُقعد عليه رجل،وذلك في جوف الليل وليس في البيت سراج فاحتجت إلى
الوضوء فممدت يدي أطلب شيئا فإذا أنا بإناء فيه ماء فتهيأت للصلاة وقمت أصلى فلما
أصبحت جاءني الرسول فأخذ بيدي فأدخلني الدار فإذا هو جالس – يعنى المعتصم الخليفة
– وابن ابى داود حاضر قد جمع أصحابه والدار غاصة بأهلها.


وفى
رواية لغير ابنه: أُدخل الإمام على الخليفة وعنده ابن ابى داود وأبو عبد الرحمن الشافعي
فأجلس بين يدي الخليفة وكانوا هوّلواعليه وقد كانوا ضربوا عنق رجلين فنظر احمد إلى
أبى عبد الرحمن الشافعى فقال أي شئ تحفظ عن الشافعى في المسح؟ فقال ابن أبى داود
انظروا رجلا هو ذا يٌُقدم به لضرب العنق يناظر في الفقه. ثم قال أبى فقال المعتصم:
إدنه أدنه فلم يزل يدنيني حتى قربت منه، ثم قال: أجلس: فجلست وقد ثقلتنى الأقياد
فمكثت قليلاً ثم قلت: تأذن في الكلام؟ فقال: تكلم:.. فقلت: إلام دعا رسول الله r؟
قال: الى شهادة إن لا إله إلا الله، قلت: أنا أقول لا إله إلا الله..ثم قلت له: إن
جدك ابن عباس يحكى في حديث وفد عبد قيس أن الإيمان شهادة إن لا إله إلا الله وأن
محمدا رسول الله وإقامة الصلاة إلى آخره. فقال لى: لولا أني وجدتك في يد من كان قبلي
ما تعرضت لك ثم التفت إلى عبد الرحمن بن إسحاق فقال له: ألم آمرك أن ترفع المحنة؟
قال أبى فقلت في نفسي إن في هذا فرجا للمسلمين ثم قال: ناظروه كلموه فقال عبد
الرحمن: ما تقول في القرآن؟ قلت: ما تقل في علم الله فسكت فجعل يكلمني هذا وهذا
وأرد على هذا وأكلم هذا، ثم قلت: يا أمير المؤمنين.. أعطوني شيئا من كتاب الله أو
سنة رسول الله أقول به.. ثم دارات المناظرة إلى أن قال ابن أبى دواد: هو الله يا
أمير المؤمنين ضال، مضل، مبتدع، وهؤلاء قضاتك والفقهاء فسلهم فيقول: ما تقولون
فيه، فيقولون: يا أمير المؤمنين: هو ضال، مضل، مبتدع.[24]


واستمرت
المناظرة فلما طال بنا المجلس ضجر – المعتصم- فقام فردُدت إلى الموضع الذي كنت ثم
وجه إلى برجلين من أصحاب ابن أبى داود يناظراني فيقيمان معي حتى إذا حضر الإفطار
وجه إلينا بمائدة عليها طعام فجعلا يأكلان، وجعلت أتعلل حتى ترفع المائدة وأقاما
إلى غد وفى خلال ذلك يجئ ابن أبى داود فيقول لي: يا فلان يقول لك أمير المؤمنين ما
تقول ؟ فأقول: أعطوني شيئا من كتاب الله، أو سنة رسول الله... فيقول لي ابن أبى
داود: والله لقد كُتب اسمك في السبعة فمحوته ولقد ساءني أخذهم إياك، وإنه و الله
ليس إلا السيف إنه ضرب بعد ضرب ثم يقول لى ما تقول فأرد عليه نحو مما رددت.. ثم يأتيني
رسله ويقولون: يقول لك أمير المؤمنين: أجبني حتى أجيء: فأطلق عندك بيدي... فأرد
بنحو مما قلت.


وفى
اليوم الثاني... دارات المناظرات وطال المجلس بنا ورددت إلى الموضوع الذي كنت فيه
وفى هذه الليلة يأتيه مثبت له على الحق يرويه ابنه (عبد الله ) قال: قال أبى: فلما
كان الليل نام من كان معي من أصحابي وأنا متفكر في أمري قال: فإذا أنا برجل طويل
يتخطى الناس حتى دنا منى فقال: أنت أحمد بن حنبل؟ فسكتُ فقالها ثانية فسكتُ،
فقالها ثالثة: أنت أبو عبد الله...؟ قلت: نعم قال: أصبر ولك الجنة قال أحمد: فلما
مسني حر السوط ذكرت قول الرجل.


فلما
كان اليوم الثالث: أُدخلت عليه، والقوم حضور فجعلت أدخل من دار إلى دار، وقوم معهم
السيوف وقوم معهم السياط وغير ذلك وقد حُشيت الدار بالجند ولم يكن في اليومين
الماضيين كثير أحد من هؤلاء حتى صرت إليه قال: ناظروه....كلموه...... فعادوا لمثل
مناظرتهم فدار بيننا وبينهم كلام كثير حتى إذا كان الوقت الذي كان يخلو بي فجاءني
ثم اجتمعوا فشاورهم ثم نحاهم ودعاني فخلا بي وبعبد الرحمن فقال لي: ويحك يا فلان..
أنا والله عليك شفيق وإني لأشفق عليك مثل شفقتي على هارون ابني.. فقلت: يا أمير
المؤمنين أعطوني شيئا من كتاب الله أو سنة رسول الله، فلما ضجر وطال المجلس قال:
عيك اللعنة لقد طمعت فيك خذوه، اخلعوه، اسحبوه.





تعذيب
الإمام
:


قال
الإمام: فأُخذت فسُحبت ثم خُلعت قال: العُقابَيْن[25]
والسياط


ثم
صُيرت بين العقابين وشُدّت يدي، فجئ بكرسي، فوضع له وابن أبى داود قائم على رأسه،
والناس اجتمعوا وهم قيام ممن حضر فقال لي إنسان ممن خلفي خذ - أي الخشبتين بيدك
وشُد عليها- فلم أفهم ما قال: فتخلعت يدي لما شددت ولم أمسك الخشبتين.


قال
ابنه (صالح) لم يزل يتوجع منهما من الرسغ إلى أن توفى


ثم
قال – أي المعتصم- للجلادين تقدموا فنظر إلى السياط فقال ائتوني بغيرها ثم قال لهم
تقدموا فقال لأحدهم أدنه.... أوجع... قطع الله يدك فتقدم فضربني سوطين ثم تنحى فلم
يزل يدعو واحداً بعد واحد فيضربني سوطين ويتنحى ثم قام حتى جاءني وهم محدقون به
فقال: ويحك يا فلان تقتل نفسك؟ ويحك أجبني حتى أطلق عنك بيدي.


قال
فجعل بعضهم يقول: ويحك إمامك على رأسك قائم وجعل يعجب وينخسني بقائم سيفه ويقول:
تريد أن تغلب هؤلاء كلهم؟ ثم يقول إسحاق بن إبراهيم: ويلك، الخليفة على رأسك
قائم.. ثم يقول بعضهم: يا أمير المؤمنين دمه في عنقي.


ثم
رجع.. فجلس على الكرسي ثم قال للجلاد: أدنه..... شد، قطع الله يدك.. ثم لم يزل
يدعو بجلاد بعد جلاد فيضربني سوطين و يتنحى.. ثم قال لي: الثانية: يا فلان أجبنى
وجعل عبد الرحمن بن إسحاق يقول لي: من صنع بنفسه من أصحابك في هذا الأمر ما صنعت؟
هذا يحيي بن معين؟ وهذا ابو خيثمة؟ وجعل يعدد عليّ من أجاب وجعل هو يقول: ويحك
أجبنى.. وجعلت أقول مما كنت أقول لهم قال أبى: فذهب عقلى.. وما عقلت إلا وأن في
حجرة طلق عنى الأقياد.


وفى
رواية:"تقدم اليه ابن أبى داود وقال له: يا فلان قل في أذني إن القرآن مخلوقه
حتى أخلصك من الخليفة فقال له الإمام يا ابن أبى داود قل لي في إذني القرآن غير
مخلوق حتى أخلصك من عذاب الله، قال الإمام: فقال إنسان ممن حضر: إنا كببناك على
وجهك وطرحنا عليك بارية ودسناك. فقلت: ما شعرت فجاءوني بسويق فقالوا لى: اشرب
وتقيأ فقلت لا أفطر ثم جئ بي إلى دار إسحاق بن إبراهيم فنودى بصلاة الظهر فصلينا
الظهر. قال ابن سماعة صليت والدم يسيل من ضرب؟ فقلت: قد صلى عمر وجرحه يثغب دما
فسكت.


وفى رواية: "قال إسحاق: ما رأيت يوما كان
أعظم على المعتصم من ذلك اليوم والله لو لم يرفع عنه الضرب لم يبرح من مكانه إلا
ميتا" وفى رواية:"قال أحد الجلادين لقد بطل الإمام الشطار والله لقد
ضربته ضربا لو أبرك لي بعير فضربته ذلك الضرب لنقبت عن جوفه" وقال غيره لقد
ضربت الإمام ثمانين سوطا لو ضربته فيلا لهدَّته ثم خلى عنه.


ووجه
إليه برجل ممن يبصر الضرب، والجراحات ليعالج منها فنظر إليه فقال: والله لقد رأيت
من ضرب ألف سوط ما رأيت ضربا أشد من هذا لقد جر عليه من خلفه ومن قدامه ثم أدخل
ميلا في تلك الجراحات وقال: لم ينفذ فجعل يأتيه ويعالجه وقد كان أصاب وجهة غير
ضربة ثم مكث يعالجه ما شاء الله [26]





موقفان جليلان يوم ضربه:


عن
محمد بن سويد الطحان قال: كنا عند عاصم بن على ومعنا أبو عبيد القاسم بن سلامة
وإبراهيم بن أبى الليث – وذكر جماعة – والإمام يضرب في ذلك اليوم فجعل عاصم يقول:
ألا رجل يقوم معي فنأتي هذا الرجل فنكلمه قال: فما يجيبه أحد، فقال إبراهيم بن أبى
الليث: يا أبا الحسين أنا أقوم معك.. ثم قال: أبلغ إلى بناتي فأوصيهن وأجدد بهن
عهداً قال: فظننا أنه يتكفن ويتحنط، ثم جاء فقال: يا أبا الحسين إني ذهبت إلى بناتي
فبكين: قال: فجاء كتاب ابنتي عاصم من واسط "يا أبانا أنه بلغنا أن هذا الرجل
أخذ الإمام فضربه بالسوط على أن يقول القرآن مخلوق فاتق الله ولا تجبه إن سألك
فوالله لأن يأتينا نعيك أحب إلينا من أن يأتينا أنك قلت".


وقال
أبو حاتم: لما كان اليوم الذي ضرب فيه الإمام قلت: أمر اليوم فأعرف خبر الإمام
فبكرت فإذا أنا بشيخ قائم وهو يقول:"اللهم ثبته، اللهم أعنه، ثم لم يزل
كالحيران ويقول: إن كان أجاب حتى أدخل فأقوم مقامه فخرج رجل فقال: لم يجبهم فقال
الحمد لله، فقلت: من هذا؟ فقال: بشر بن الحارث[27]





خروج الإمام من دار المعتصم:


قال
ابن سماعة: يا أمير المؤمنين أضرب عنقه ودمه في رقبتى فقال له ابن أبى داود: لا يا
أمير المؤمنين لا تفعل فإنه إن قتل أو مات في دارك قال الناس: صبر حتى قتل فاتخذه
الناس إماما وثبتوا على ما هم عليه، ولا ولكن أطلقه الساعة فان مات خارجا من منزلك
شك الناس في أمره وقال بعضهم لم يجبه فيكون الناس في شك من أمره.


وعن
أبى زرعه قال: دعى المعتصم بعم الإمام ثم قال للناس: تعرفونه؟ قالوا: نعم هو
الإمام،قال: فانظروا إليه أليس هو صحيح البدن؟ قالوا: نعم ولولا أنه فعل ذلك لكنت
أخاف أن يقع شر لا يقام له، فلما قال: قد سلمته إليكم صحيح البدن هدأ الناس وسكتوا
[28]





الإمام يحل المعتصم من ضربه:


قال
ابن ابى حاتم بلغنى أن الإمام جعل المعتصم في حل يوم فتح بابل أو في يوم فتح
عمورية فقال هو في حل من ضربي.


وابن
الإمام (عبد الله ) يقول: قال لي أبى: وجه إليّ الواثق أن اجعل المعتصم في حل من
ضربه إياي فقلت: ما خرجت من داره حتى جعلته في حل وذكرت قول النبي r
" لا يقوم يوم القيامة إلا من عفا" فعفوت عنه.


وعن
الحسين الخرقى قال: بت مع الإمام ليلة فلم أره ينام إلا يبكى إلى أن أصبح فقلت أبا
عبد الله، كثر بكاؤك الليلة فما السبب؟ قال لي: ذكرت ضرب المعتصم إياي ومربي في
الدرس"وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله" فسجدت
وأحللته من ضربي في السجود.


وعن
ابن الإمام عبد الله قال: قرأت على أبى: روح عن أشعث عن الحسن" أن لله عز وجل
بابا في الجنة، لا يدخله إلا من عفا عن مظلمة" فقال لي: يا بنى ما خرجت من
دار أبى إسحاق حتى أحللته وعن معه إلا رجلين ابن أبى داود وعبد الرحمن بن إسحاق
فانهما طلبا دمى، وأن أهون على الله أن يعذب في أحداً أشهدك انهما في حل".





محنته مع الواثق:


وبوفاة
المعتصم لم تنته المحنة فقد ولى الواثق ولا تزال الكلمة الأولى في الدولة لأحمد بن
أبى داود وقد بلغ في امتحان الناس حدا حمله على أنه يوجه سنة 231هـ كتابا إلى أمير
البصرة يأمره أن يمتحن أئمة المساجد والمؤذنين كما أمتحن أهل الثغور، فقالوا بخلقه
جميعا إلا أربعة نفر فأمر الواثق بضرب أعناقهم.


بل
إن الواثق تجاوز حدود أبيه بالفتك بمن يعارض رأيه في مسألة خلق القرآن كما فعل
بالإمام أحمد بن نصر الخزاعي سنة 231هـ، حتى في فداء الأسرى كان يمتحنهم فمن لم
يقل أن القرآن مخلوق ترك في أيدي الروم ولا يفديه حتى الصبية في الكتاتيب فرض
عليهم درس مسألة خلق القرآن.


وأما
عن موقف الواثق مع إمامنا يقول ابن الجوزى.. ولم يعرض للإمام إما لما علم من صبره
أو لما خاف من تأثير عقوبته لكنه أرسل إليه: لا تساكنى بأرض ولا يجتمعن إليك أحد.
واختفى الإمام مدة عن الأنظار متنقلا من مكان إلى آخر، ثم أقام في منزله لا يتصل
بأحد ولا يتصل به أحد وبقى على ذلك إلى أن مات الواثق دون أن يسجل التاريخ أي لقاء
بينهما.


وروى
أن الواثق ترك امتحان الناس في آخر حياته بسبب مناظرة جرت بين يديه رأى بها أن
الأولى ترك الامتحان.





كشف
المحنة ونصر السنة أيام المتوكل



ولى
المتوكل سنة 232هـ ولم يلبث أن سعى في كشف الغمة ورفع المحنة وكتب إلى الآفاق لا
يتكلم أحد في القول بخلق القرآن وبذلك انقضت هذه المحنة التي اقضعت مضاجع المسلمين
واحترق بنارها كبار العلماء والفقهاء والتي استمرت نحواً من ست عشرة سنة ويخرج
إمامنا أحمد بن حنبل منتصراً بنور الفكر على ظلم الحكم.





ثناء العلماء عليه:


*قال
على بن المدينى: إن الله عز وجل أعزَّ هذه الدين برجلين ليس لهما ثالث: أبو بكر
الصديق في الردة، وأحمد بن حنبل في المحنة.


*وقال
الميمون: قال على بن المدينى بالبصرة: يا ميموني ما قام أحد في الإسلام ما قام به
أحمد بن حنبل فتعجبت من هذا عجبا شديدا –وأبو بكر الصديق رضى الله عنه قام في
الردة وأمر الإسلام ما قام به- قال الميمونى: فاتيت أبا عبيد القاسم بن سلام،
فتعجبت إليه من قول عليّ فقال لي مجيبا: إذن نخصك، قلت: بأي شئ، قال: إن أبا بكر
رضى الله عنه وجدا أنصارا وأعوانا وإن أحمد بن حنبل لم يجد ناصرا وأقبل أبو عبيد
يطري أحمد بن حنبل ويقول: لست أعلم في الإسلام مثله.


*وكان
سعيد يقول:قلت لبشر بن الحارث: ألا صنعت كما صنع أحمد بن حنبل؟ فقال: تريد منى
مرتبة النبيين؟ لا يقوى بدني على هذا حفظ الله أحمد من بين يديه ومن خلفه ومن فوقه
ومن أسفل منه وعن يمينه وعن شماله ولسوط ضرب به أحمد في الله أكبر من أيام بشر بن
الحارث.


*وقال
قتيبه بن سعيد: لولا أحمد بن حنبل لأُحْدث في الدين فقلت:أتقيس أحمد بالثورى فقال:
أتقيس أحمد بعلية التابعين أن أحمد قام في الأمة مقام النبوة قال البيهقى: يعنى في
صبره على ما أصابه من الأذى في ذات الله.


*وقال
أبو حاتم الرازى: إذا رأيتم الرجل يجب أحمد بن حنبل فاعلموا أنه صاحب سنة.


*وقال
الحجاج بن الشاعر: ما كنت أحب أن أقتل في سبيل الله ولم أصل على أحمد بن حنبل.





الدروس
المستفادة:



وبعد
هذه المحنة لإمام السنة يمكننا أن نخرج بعبر تنفعنا في حياتنا:


·
الثبات والصبر أهم سمات أصحاب الدعوات.


·
مهما طال الظلام فلابد من طلوع الفجر.


·
توكل على الله واثبت فالله يثبت عبده من حيث لا يدرى.


·
نور الحق لابد أن يبدد ظلام البطش والإرهاب.


·
الإمامة الحقة تتطلب تضحية بالنفس والمال.





وفى
الختام: أدعوك أخي الداعية إلى قراءة المحنة مرة أخرى وتأمل هذه الكلمات:



لما
هددوا عفان بن مسلم بقطع راتبه قال: "وفى السماء رزقكم وما توعدون".


قول
ابن نعيم شيخ البخارى: "عنقى أهون من زرى هذا"


قول
الناصح لأحمد:"يا أبا عبد الله إن يقتلك الحق مت شهيدا، وإن عشت عشت
حميدا".


قول
الشاب محمد بن نوح لأحمد:"إنك لست مثلى، أنت رجل يقتدي بك وقد مدّ الخلق
أعناقهم إليك.. فاتق الله واثبت لأمر الله".


كلمات
وتهديدات الظلمة واحدة:"يلقيك في موضع لا ترى فيه الشمس".


قول
الإمام أحمد:"لست أبالى الحبس ما هو ومنزلى إلا واحد".


لما
قال أحمد: أخاف فتنة السوط، قيل له: لا عليك فما هو إلا سوطان ثم لا تدرى أين يقع الباقي.


قول
ابنتي عاصم: بلغنا أن هذا الرجل أخذ الإمام فضربه على أن يقول القرآن مخلوق، فاتق
الله ولا تجبه إن سألك،فوالله لأن يأتينا نعيك أحب إلينا من أن يأتينا أنك قلت.


قمة
الخلق في قول الإمام أحمد في أمر المعتصم:"هو في حل من ضربي، لما بلغه أن فتح
عمورية أو بابل"، وفى رواية "ما خرجت من داره حتى جعلته في حل"


وفي الختام: أدعوا كل داعية أن يدرس سيرة الإمام
أحمد فهي زاد للدعاة.




فاللهم إنا نسألك
العفو والعافية وثبتنا عند اللقاء











[1] - مناقب
أحمد لابن الجوزي (ص398)






[2] -
سير الأعلام للذهبي (10/612) ـ تاريخ بغداد (13/314).






[3] -
مناقب أحمد لابن الجوزي (ص 393- 401).






[4] - ابن حنبل لأبى زهرة (ص121)









[5] - تأمل
هذه الفقرات التي تبين واجب الحاكم نحو دينه ورعيته.






[6] - وهذه
النظرة الخاطئة لعامة الناس لها آثار خطيرة فللعامة حكمهم في جهل تفاصيل المسائل
العقدية والتى لا يجوز طرحها عليهم حتى لا تحدث فتنة فضلا عن حملهم عليها بالقوة
ورحم الله على- رضي الله عنه- القائل:"ما أنت بمحدث قوما بحديث لا تبلغه
عقولهم الا كان لبعضهم فتنة".






[7] - يعرض
في هذا بعلماء المسلمين ممن خالفواً رأيه وهو نفس أسلوب الحكام الظلمة.






[8] -
هذه الإتهامات المعتادة التى توجه لمن يؤمن بالدعوة إلى الله ويتبع العلماء.






[9] - وهى
نفس الاتهامات التى توجه الى دعاة الحق في كل زمان ومكان.






[10] -
يلاحظ أن المأمون بدأ باختبار القضاه وموظفوا الدولة ثم بعد ذلك ثنى بالعلماء ثم
باقى الرعية.






[11] - التهديد
بإنهاء الخدمات والطرد من الوظائف.






[12] --
وهذا هو الحق أن يتولى امورالرعية من يوثق في دينه.






[13] -
تهديد العامة عن طريق القضاة بأنهم لا تقبل شهادتهم إذا لم يقولوا بهذا القول.






[14] -- انظر
هذه الرسائل، في احمد بن حنبل للسعدى أبو جيب (ص172) وابن حنبل لأبى زهرة (ص47-
56).






[15] - وأما
باقى الثانى عشر فقد جاءوا بعد ههؤلاء إلا عفان.






[16] - وهذه
من المثبتات على الحق يرزقها الله لعبده في محنته






[17] -
مناقب أحمد بن الجوزى (ص314).






[18] -
المصدر السابق (ص314)






[19] -
المصدر السابق (ص315).






[20] -
المصدر السابق (ص316).






[21] -
المصدر السابق (ص 317)






[22] - سير أعلام النبلاء (10/336).






[23] -
وهى وصية طويلة كلها زهد وخشية من الله وخاصة النفس وشدة حرص على مصالح الأمة.






[24] -
يقول الإمام السبكى:"فإنما يتلف السلاطين فسقة الفقهاء، فإن الفقهاء ما بين
صالح وطالح فالصالح غالبا لا يتردد على أبواب الملك، والطالح دائما يترامى عليهم،
ثم لا يسعة إلا أن يجرى معهم على أهوائهم ويهون العظائم،ولهو على الناس شر من ألف
شيطان، كما أن صالح الفقهاء خير من ألف عابد ولولا اجتماع فقهاء السوء على المعتصم
لنجاه الله مما فرط منه ولو أن الذين عنده من الفقهاء على حق لأروه الحق أبلج ولا
بعدوه عن ضرب مثل الإمام أحمد ولكن ما الحيلة والزمان على هذا (الطبقات 2/59)






[25] -
العقابين: خشبتان يشبح الرجل عليهما للجلد.






[26] -
احمد بن حنبل للسعدى (ص 195).






[27] -
مناقب احمد لأبن الجوزى (ص336).






[28] -
المصدر السابق (ص340).







الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
امام في محنة
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
شباب المستقبل :: اسلامنا عظيم :: العلم الشرعى :: السير والتراجم-
انتقل الى: