من روائع الوعظلما
كان الخطيب أو الداعية في حاجة إلي زاد وعظي يطرق به على القلوب رأينا أن نقدم له
في كل عدد من الزاد باقة من أقوال أحد علمائنا العاملين لنقتدي بهم كما قال تعالى
"وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون". يقول
ابن الجوزي: "إن علماء الأمة وأعلامها ومفكريها هم كالنجوم لمن سرى ليلا،
وكالدفة المحكمة لمن خاض عباب البحار الموحشة، وكالمطر للأرض اليابسة تهتز وتربو
فتثمر الثمار اليانعة، قدوة الأمة وموجهوها، هداة البشرية بعد رسل الله
تعالى"العلماء ورثة الأنبياء"
واعظ العدد:هو
الإمام الحسن البصري (ت110هـ) والذي إذا ذكر العلماء كان تاجهم، وإذا ذكر الزهاد
كان إمامهم، وإذا ذكر الحكماء كان حكيمهم، وإذا ذكر الأدباء كان فصيحهم، وإذا ذكر
الوعاظ كان خطيبهم"
روى
أن عائشة رضى الله عنها سمعت الحسن يتكلم فقالت: من هذا الذي يتكلم بكلام الصديقين
وقيل لعلى بن الحسين رضى الله عنهما: إن الحسن يقول: ليس العجب لمن هلك كيف هلك،
وإنما العجب لمن نجا كيف نجا فقال:سبحان الله هذا كلام صديق.
من
أقوال واعظنا:*قال
رحمه الله: إذا لم تقدر على قيام الليل، ولا صيام النهار، فاعلم أنك محروم، قد
كبلتك الخطايا والذنوب وكان يقول: منع البُر النوم، ومن خاف الفوات أدلج.
*وقال
له رجل يا أبا سعيد: أعياني قيام الليل فما أطيقه؟ فقال: يا ابن أخى استغفر الله،
وتب إليه، فإنها علامة سوء. وقال أيضا إن الرجل ليذنب الذنب فيحرم به من قيام
الليل.
*وقيل:
حاول الحسن الصلاة ليلة فلم تطاوعه نفسه، فجلس سائر الليلة لم ينم حتى أصبح فقيل
له في ذلك فقال: غلبتني نفسي على ترك الصلاة فغلبتها على ترك النوم، وايمُ الله لا
أزال بها كذلك حتى تَذِل وتُطاوع.
*وقال
رحمة الله: إن النفس أمارة بالسوء، فإن عصتك في الطاعة، فاعصها أنت في المعصية.
*وقال
رحمة الله: حقيق على من عرف أن الموت مورده، والقيامة موعده، والوقوف بين يدي
الجبار مشهده أن تطول في الدنيا حسرته، وفى العمل الصالح رغبته.
وبلغه
أن رجلا اغتابه فبعث إليه بطبق فيه رطب، وقال: أهديتَ إلي باغتيابك لى حسناتك
فكافأتك عليها فاستحيا الرجل ولم يعد لذكره بسوء.
*وكان
إذا رأى رجلاً كثير البطالة غير مشتغل بما يعنيه من أمر دينه أنشده:
يَسُرُكَ أن تكونَ
رفيقَ قومٍ لهم زادٌ وأنتَ
بغيرِ زادِ*وقال
رحمه الله: إن خوفك حتى تلقى الأمن خير من أمْنِك حتى تلقى الخوف
وعظه في الآداب
ومكارم الأخلاق *قال
رحمه الله: مروءة الرجل صدق لسانه، واحتماله مؤونة إخوانه وبذل المعروف لأهل
زمانه، وكفه الأذى عن جيرانه.
*وقال
رحمه الله: أدركت أقواما وإن الرجل منهم ليخلف أخاه في أهله وولده أربعين سنة بعد
موته.
*وقال"أيها
الناس إنكم لا تنالون ما تحبون إلا بترك ما تشتهون، ولا تدركون ما تأملون إلا
بالصبر على ما تكرهون.
*وقال
أربع من كن فيه عصمه الله من الشيطان وعافاه النار: من ملك نفسه عند الرهبة
والرغبة والحدة والشهوة.
*وقال:
المؤمن أحسن الناس عملاً، وأشدهم من الله خوفا، لو أنفق في سيبل الله ملء ارض
ذهبا، ما آمن حتى يعاين، ويقول: أبد لا أنجو لا أنجو، والمنافق يقول: سواء الناس
كثير، وما عسى ذنبي في مجلة الذنوب إن الله رحيم سيغفر لي.
*وقال:
من خاف اله، أخاف الله سبحانه منه كل شئ، ومن خاف الناس أخافه الله من كل شئ.
*وقال:
يحب على المسلم لأهل ملته أربعة أشياء: معونة محسنهم، وإجابة داعيهم، والاستغفار
لمذنبهم والدعوة إلي الحق لمدبرهم.
*وقال:
ابن آدم إن الإيمان ليس بالتحلي ولا بالتمني، ولكنه بما وقر في القلب وصدقته
الأعمال.
*وكان
يقول: إذا لم تكن حليما فتحلم، وإذا لم تكن عالماًَ فتعلم، فقل ما تشبه رجل بقوم
إلا كان منهم.
*وقال:
من طلب العلم لله لم يلبث أن يُرى ذلك في خشوعه، وزهده تواضعه.
*وقوله:
تفقد الحلاوة في ثلاثة:في الصلاة، والقراءة والذكر، فإن وجدت ذلك فامض وأبشر، وإلا
فاعلم أن بابك مغلق فعالج فتحه.
*وقال:
احذروا العابد الجاهل، والعالم الفاسق، فإن فيها فتنة لكل مفتون.
*وقال:
ابن آدم لا يغرنك أن تقول المرء مع من أحب فإنك لن تلحق الأبرار إلا بأعمالهم، وإن
اليهود والنصارى ليحبون أنبياءهم ولا والله ما يحشرون معهم ولا يدخلون في زمرتهم.
*وقال:
لا تزال هذه الأمة بخير، ولا تزال في كنف الله وستره، وتحت جناح ظله ما لم يَرْفق
خيارهم بشرارهم ويعظم أبرارهم فجارهم، ويميل قراؤُهم إلي أمرائهم، فإن فعلوا ذلك
رُفعت يد الله عنهم، وسلط عليهم الجبابرة فساموهم سوء العذاب، ولعذاب الآخرة أشد
وأبقى.
*وقال:
يحاسب الله سبحانه المؤمنين يوم القيامة بالمنة والفضل، ويعذب الكافرين بالحجة
والعدل.
*وقال:
يا عجبا لألسنِِِة تصف، وقلوبِِ تعرف، وأعمالِِ تخالف.
*وقال:
ابن آدم تحب أن تُذكر حسناتك، وتكره أن تُذكر سيئاتك، وتؤاخذُ غيرك بالظن وأنت
مقيم على اليقين، مع علمك بأنك قد وكل بك ملكان يحفظان عليك قولك وعملك ابن آدم إن
اللبيب لا يمنعه جِدُ الليل من جِدّ النهار، ولا جِدُّ النهار من جِد الليل، قد
لازم الخوف قلبُهُ إلي أن يرحمه ربه.
*وكان
يقول: إذا أظهر الناس العلم، وضيعوا العمل، وتحابوا بالألسنة، وتباغضوا بالقلوب،
وتقاطعوا في الأرحام، لعنهم الله عز وجل، فأصمّهم وأعمى أبصارهم.
*وكان
يقول: ترك الخطيئة أهون من معالجة التوبة فسمع ذلك محمد بن واسع فقال: رحم الله
الحسن، صدق والله لو وافق قلبا للطاعة فارغا وعقلا من غلبة الشهوة سالماً.
*وكان
يقول: لله دَرُّ أهل الحق، كانت درة عمر رضي الله عنه أهيب من سيف الحجاج.
*وقيل:
يا أبا سعيد من أشد الناس صُراخا يوم القيامة؟ فقال: رجل سن سنة ضلاله فاتُبع
عليها ورجل يسئ الملكة، ورجل رزق نعمة فاستعان بها على معصية الله عز وجل.
*وكان
يقول: أيها الناس أدركت أقواما، وصحبت طوائف، ما كانوا يفرحون بشيء من الدنيا أقبل
ولا يحرنون على شيء منها أدبر ولها عندهم أهون من التراب الذي تطئونه بأرجلكم.
*وكان
يقول: نظر رجاء بن حَيْوة إلي رجل يتناعس بعد الصبح، فقال: انتبه عافاك الله، لا
يظن ظان أن ذلك عن سهر وصلاة فيحبط عملك.
*وكان
إذا قرأ "كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها" قال: ابن آدم
ما كان لك في غدوة أو روحة ما تصبر على المعصية.
وقرأ
"وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد
شكوراً"(الفرقان 62)، ثم قال: سبحان الله ما أوسع رحمة الله وأعم فضله، وألطف
صنعه، جعل لمن عجز في النهار خلَفَا في الليل، ولمن قصر في الليل خلفاََ في
النهار.
*وقرأ"
وتمت كلمة ربك الحسنى على بنى إسرائيل بما صبروا، ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه
وما كانوا يعرشون (الأعراف 137) ثم قال: عجبا لمن يخاف مَلكا أو يتق ظالماً بعد
إيمانه بهذه الآية، أما والله لو أن الناس إذا ابتلوا صبروا لأمر ربهم، لفرج الله
عنهم كربهم ولكنهم جَزِعوا من السيف، فوكلوا إلي الخوف ونعوذ بالله من شر البلاء.
*وقرأ
قوله"الذين هم في صلاتهم خاشعون" ثم قال"رحم الله قوما كان خشوعهم
في قلوبهم فغضوا أبصارهم، وحفظوا فروجهم، وتجنبوا المحارم، فنالوا أعلى الدرجات.
*وكان
يقول:"ابن آدم إن المؤمن لا يصبح إلا خائفاً وإن كان محسنا، ولا يصلح أن يكون
إلا كذلك لأنه بين مخافتين: ذنب مضى لا يدرى ما لله صانع فيه، وأجل قد بقى لا يدرى
ما الله مبتليه فيه فرحم الله عبداً فكر واعتبر واستبصر فأبصر، ونهى النفس عن
الهوى.
*وكان
يقول: ابن آدم لا تحقرن من الطاعة شيئا وإن قل في نفسك، وصغر عندك،فإن الله سبحانه
يقبل مثقال الذرة، ويجازى على اللحظة، ولو رأيت قدره عند ربك لسرك ولا تحقرن من
المعصية شيئا وإن قل في نفسك، وصَغر عندك فإن ربك شديد العقاب.
*ولتختم
هذه الباقة بقوله رحمه الله: لا يزال العبد بخير ما كان له واعظا من نفسه، وكانت
الفكرة من عمله، والذكر من شأنه، والمحاسبة من همته، ولا يزال بشرِِ، ما استعمل
التسويف واتبع الهوى، وأكثر الغفلة، ورَجَح في الأماني.
والله أسأل أن
يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه.